العجوز ودار المسنين
انت في الصفحة 1 من 3 صفحات
اعتدت على احتساء كوبًا من الشاي الأخضر بالزنجبيل في الصباح، وبالرغم من أن البعض يُعدد فوائد عظيمة لهذا المشروب؛ إلا أنَّنِي لا أكاد أجد في وسط مسؤولياتي اليومية فرصة للبحث عمَّا إذا كان مفيد فعلًا على النحو الذي يصفوه أم لا، ربما لو كان سؤالًا ذا أهمية أكثر من ذلك؛ لحاربت من أجل توفير وقت للبحث، ولكن على أيَّة حال؛ إنه مشروب طبيعي ولا أسرَف في احتسائه.
أنهيت مشروبي وأخذت معطفي وذهبت إلى العمل، أنا أعمل في جريدة مسائية تهتم بالقضايا المجتمعية التي يعيشها الناس، وتحاول أن تنخرط وتتغلغل في أوساطهم لتتعرف أحوالهم واهتماماتهم ومعاناتهم وتتحدث عنها بعد إمداد يد المساعدة أحيانًا إن استطاعت، وعملي فيها كمحرر يتطلب مني أن أقوم بعملية التغلغل تلك.
داخل دار المسنين
واليوم؛ المكان المستهدف الذهاب إليه لتفحص أحواله هو دار للمسنين، فتم التنسيق أمس مع مسؤول الزيارات “مدام أمل” ورحبت بوجودي في أي وقت، فقررت الذهاب إلى الدار في العاشرة صباحًا؛ فأنا لا أحب الزيارات المسائية.
لا أستطيع أن أنكر المشقة التي واجهتها حتى أصل إلى هناك، وحينما وصلت وجدت منزلًا كبيرًا يكاد من فرط قِدمه أن يتهاوى أمامي، يبدو أن المنزل مسن كما النزلاء المُسنين بداخله، ولولا وجود لافتة صغيرة مكتوب عليها اسم الدار تُعاني من الصدأ ويعلوها كم هائل من الأتربة وبقايا الطلاء؛ لشككت أنه هو ذاته الدار للمسنين فعلًا.
مدام أمل ومدير الدار
قابلت “مدام أمل” عند المدخل، واتجهنا للداخل مجتازين ممر طويل ثم اتجهنا يسارًا لصعود السلم لمقابلة السيد المدير، ولكني لمحت على الجانب الأيمن حديقة شديدة الاتساع، خلابة المنظر، منعشة الهواء، فأوقفتها برهة لأحاول أن أفهم تصميم وتوجيهات هذه الدار، فأجابتني أنَّها حديقة للنزلاء ليستنشقوا فيها الهواء، ويتعارفوا على بعضهم البعض، وأن الطابق الأول هو لمكاتب وغرف العاملين في الدار ثم يعلوه سبع طوابق للنزلاء. إنَّه فعلاً ضخم!
أثناء حديثها معي؛ لمحت أحد النزلاء في الحديقة من بعيد، جالس بهدوء على كرسي متحرك، ولكن للأسف لم أستطع تحديد ملامحه جيدًا، نظري يستغيث يريد النظارة الطبية ولكن هيهات، فلقد نسيتها في المطبخ أثناء إعدادي لكوب الشاي الأخضر بالزنجبيل.
صعدت معها للمدير، يبدو أنه رجل حكيم وربما يتعدى عمره الخمسون عامًا أو أقل قليلاً، قابلني بترحاب وأنجزت معه المقابلة الروتينية الضرورية للعمل واستأذنته في التجول في الدار لاستكمال الصورة في مخيلتي حتي استأنف خطوات عملي، فطلب من “مدام أمل” أن ترافقني لأرى ما أريد.
أنهيت رحلتي في السبع طوابق لغرف النزلاء مع “مدام أمل” وطلبت منها أن نذهب مجددًا للحديقة؛ فأنا واثق أن الروح الحقيقية لهذه الدار هو تلك البقعة الواسعة المنعشة التي تضج بالنزلاء، فأوصلتني لها وتركت لي حرية الحركة وانصرفت، يبدو أنها متعبة ولكن هذا من حسن حظي، فهكذا أفضل لأني أنوي المكوث بضعًا من الوقت.
حديقة الدار والرجل الشاحب
الحديقة فعلاً واسعة، بها طاولات وكراسي ومقسمة لجزء معرض لأشعة الشمس وزرقة السماء وأماكن أخرى بها مظلات لمن أراد أن يرى ضوء النهار ويستمتع بالهواء دون الاضطرار لتحمل حرارة الشمس، وبينما أتوجه بنظري يمينًا ويسارًا وقعت عيني على ذاك الرجل الهادئ الجالس على الكرسي المتحرك، جلسته مختلفة عن أقرانه، كان جالسًا في الجزء المواجه لأشعة الشمس ويبدو أنه غير آبه بحرارتها، أو أنه في وادٍ آخر شاردًا بذهنه فلا يمثل له واقعنا شيء يؤلمه.